0 تصويتات
في تصنيف اسئلة دينية بواسطة
الزلازل ايات يخوف الله بها العباد

تعد الزَّلَازِلُ والبَراكِينُ والعَواصِفُ والفَيَضاناتُ والكُسوفُ والخُسوف ، واللَّيلُ والنَّهارُ ، والشَّمسُ والقَمرُ ، والحَرُّ والبَرْدُ ، والنُّجومُ والأَفْلاكُ ؛ كُلُّهَا مِنْ آياتِ تعالى ، الدَّالَّةِ على وَحْدانِيَّتِهِ ورُبوبِيَّتِهِ وقَيُّومِيَّتِهِ ، وعَظِيمِ قُدْرَتِه ، وكَمالِ تَدْبِيرِه ، واستحقاقِهِ للعبادة وحدَه لا شريكَ له ، وأنَّ الخَلْقَ كُلَّهم مُفْتَقِرونَ له، خَاضِعونَ له ، ليس للطَّبيعَةِ في ذلك أمرٌ ، ولا قُدرَةٌ ، فما أصابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنا ، وما أخْطَأَنا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَنا.

ومِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى العظيمةِ على عِبادِه - والتي يَغْفُلُ عنها كثيرٌ من الناس : نِعمَةُ ثَباتِ الأرض ؛ كما قال سبحانه : ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾ وقال تعالى : ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل: 61]. فاللهُ تعالى جَعَلَ الأرضَ – كما قال ابن كثيرٍ رحمه الله : (قَارَّةً سَاكِنَةً ثَابِتَةً، لَا تَمِيدُ ، وَلَا تَتَحَرَّكُ بِأَهْلِهَا ، وَلَا تَرْجُفُ بِهِم ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ؛ لَمَا طَابَ عَلَيْهَا الْعَيْشُ وَالْحَيَاةُ! بَلْ جَعَلَهَا - مِنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ - مِهَادًا بِسَاطًا ثَابِتَةً، لَا تَتَزَلْزَلُ وَلَا تَتَحَرَّكُ).

واللهُ سبحانه يَبْتَلِي عِبادَه بِالزَّلازِلِ والبَراكِينِ ؛ لِيُذَكِّرَهُمْ بِنِعْمَةِ ثَبَاتِ الأرضِ ، وبَسْطِها وتَسْوِيَتِها ، وتَمْهِيدِها لاسْتِقْرارِ الخَلائِقِ على ظَهْرِها ، والتَّمَكُّنِ مِنْ حَرْثِها وغِراسِها ، والبُنيانِ عليها ، والانتفاعِ بما فيها مِنْ خَيْراتٍ : ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [النبأ: 6، 7] ، وقال سبحانه : ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ إلى قوله تعالى : ﴿ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾.

قال ابن القيم رحمه الله : (وتَأمَّلْ خَلْقَ الأرضِ على مَا هِيَ عَلَيْهِ ، حِين خُلِقَتْ واقِفَةً سَاكِنَةً ؛ لِتَكونَ مِهادًا ، ومُسْتَقَرًا لِلحَيَوانِ والنَّباتِ والأَمْتِعَةِ ، ويَتَمَكَّنُ الْحَيَوَانُ وَالنَّاسُ من السَّعْي عَلَيْهَا فِي مآرِبِهم ، وَالْجُلُوسِ لِراحاتِهم ، وَالنَّوْمِ لِهُدوئِهِم ، والتَّمَكُّنِ من أعمالِهم. وَلَو كَانَتْ رَجْراجَةً مُتَمَايِلَةً ؛ لم يستطيعوا على ظَهْرِهَا قرارًا وَلَا هُدُوءًا ، وَلَا ثَبَتَ لَهُم عَلَيْهَا بِنَاءٌ ، وَلَا أَمْكَنَهم عَلَيْهَا صِنَاعَةٌ ، وَلَا تِجَارَةٌ، وَلَا حِراثةٌ ، وَلَا مَصْلَحَةٌ! وَكَيف كَانُوا يَتَهَنَّونَ بِالعَيْشِ والأرضُ تَرْتَجُّ مِنْ تَحْتَهِم؟! وَاعْتَبِرْ ذَلِك بِمَا يُصِيبُهم مِنْ الزَّلازِلِ ، على قِلَّةِ مُكْثِهَا ، كَيفَ تُصَيِّرُهم إلى تَرْكِ مَنَازِلِهمْ ، والهَرَبِ عَنْهَا؟!).

وكذلك مِنْ عَلاماتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ الزَّلازِلِ وشمولُها ودوامُها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ - وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ» رواه البخاري.

وهذه الزَّلاَزِلُ الدُّنيويَّةُ تُذَكِّرُنا بِيَومِ القيامَةِ ، وأهوالِ الآخِرَةِ ، فهي من أشراطِها ، وتُذَكِّرُ بها ؛ قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾.

عباد الله.. إنَّ الزَّلاَزِلَ لها أَسْبابٌ وحِكَمٌ ، ولا تَعَارُضَ بين السَّبَبِ والحِكْمَةِ ، وصَاحِبُ القَلْبِ الحَيِّ لا يَخْلِطُ بينهما ، ولا يَشْغَلُه السَّبَبُ المادِّيُّ عن الحِكمةِ الإلهية ، ولا يكونُ حالُه كحال الماديِّين الذين لا يؤمنون بالله تعالى ، ويَنشَغِلونَ بالأسباب الظَّاهِرَةِ عن التَّفكُّرِ في قُدْرَةِ الله وحِكْمَتِه ؛ كما قال سبحانه : ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7] وقال عزَّ وجلَّ : ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾، ومِنْ حِكَمِ الزَّلازِلِ والبَراكِينِ ، والعَواصِفِ والفَيَضاناتِ : أنها آياتٌ يُخَوِّفُ اللهُ بها عِبادَه ، حتى يرجعوا إليه ويتوبوا ، ويُقْلِعوا عن الذُّنوبِ والخَطايا ؛ قال تعالى : ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾

قال قتادةَ رحمه الله : (إِنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ النَّاسَ بِمَا شَاءَ مِنْ آيَاتِه لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ، أَوْ يَذَّكَّرُونَ، أَوْ يَرْجِعُونَ). ثم قال : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْكُوفَةَ رَجَفَتْ عَلَى عَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فَقَالَ : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَأَعْتِبُوهُ") أي : اطْلُبوا منه أَنْ يُزِيلَ عَتْبَه ، بِتَرْكِ الذُّنوبِ ، والتَّوبَةِ النَّصوحِ.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
الزلازل ايات يخوف الله بها العباد

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
مرحبًا بك إلى البرهان الثقافي، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...