0 تصويتات
بواسطة
شكر الله على نعمة

وَلَقَدْ أَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ بِشُكْرِهِ، وَبِدَوَامِ طَاعَتِهِ وَذِكْرِهِ ؛ فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ]فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلا تَكْفُرُونِ [ [البقرة:152]، وَأَثْنَى عَلَى عِبَادِهِ الشَّاكِرِينَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَلِيلٌ مَنْ يَشْكُرُهُ مِنَ الْعَالَمِينَ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: ]وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [ [سبأ:13]، وَأَثْنَى جَلَّ جَلَالُهُ عَلَى أَوَّلِ رَسُولٍ بَعَثَهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بِالشُّكْرِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ]ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [ [الإسراء:3]، كَمَا أَثْنَى سُبْحَانَهُ عَلَى خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِشُكْرِهِ نِعَمَهُ، فَقَالَ: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ [النحل:120-121].

وَقَدْ وَعَدَ اللهُ أَهْلَ الشُّكْرَانِ بِالْمَزِيدِ، وَتَوَعَّدَ أَهْلَ الْكُفْرَانِ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ] لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [ [إبراهيم:7]. أَلَا وَإِنَّ أَجَلَّ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ: نِعْمَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ، وَنِعْمَةُ الْعَافِيَةِ فِي الْأَبْدَانِ، وَنِعْمَةُ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ فِي الدُّورِ وَالْأَوْطَانِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً [ [المائدة:3].

وَهَذَا الْإِيمَانُ مِنَّةُ اللهِ عَلَيْنَا، وَمَحْضُ فَضْلِهِ الَّذِي سَاقَهُ إِلَيْنَا؛ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ]يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ [الحجرات:17]. فَالشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ، وَهُوَ صَيْدُ النِّعَمِ الْمَفْقُودَةِ. وَيَشْكُرُ الْعَبْدُ رَبَّهُ عَلَى الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَقُوتِ الْأَبْدَانِ، وَأَعْظَمُ شُكْرِ الْعَبْدِ رَبَّهُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ وَقُوتِ الْجَنَانِ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ شُكْرَ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ لَيْسَ قَوْلًا بِلَا فِعْلٍ، وَلَا ادِّعَاءً بِلَا عَمَلٍ؛ وَإِنَّمَا لَهُ أُصُولُهُ وَقَوَاعِدُهُ وَحَقَائِقُهُ وَعَوَائِدُهُ، فَحَقِيقَةُ الشُّكْرِ: ظُهُورُ أَثَرِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ: ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا، وَعَلَى قَلْبِهِ: شُهُودًا وَمَحَبَّةً، وَعَلَى جَوَارِحِهِ: انْقِيَادًا وَطَاعَةً. فَمَتَى انْعَدَمَ وَاحِدٌ مِنْهَا: اخْتَلَّ مِنْ أُصُولِ الشُّكْرِ أَصْلٌ.

 وَأَوَّلُ الشُّكْرِ يَكُونُ بِالِاعْتِرَافِ بِالنِّعْمَةِ عَلَى وَجْهِ الْخُضُوعِ لِلْمُنْعِمِ؛ إِذِ النِّعَمُ كُلُّهَا، أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا وَبَاطِنُهَا وَظَاهِرُهَا مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ ]وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [ [النحل:53]، فَمَنْ نَسَبَ النِّعْمَةَ إِلَى الْمُنْعِمِ بِهَا فَهُوَ شَاكِرٌ، وَمَنْ نَسَبَهَا إِلَى غَيْرِ الْمُنْعِمِ وَسَلَبَهَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ؛ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَمِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ: أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا الْإِنْسَانُ شُكْرًا لَا فَخْرًا، وَيُثْنِيَ بِهَا عَلَى الْمُنْعِمِ سُبْحَانَهُ إِقْرَارًا بِفَضْلِهِ لَا جُحُودًا وَنُكْرًا؛ فَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ دَاعٍ لِشُكْرِهَا وَدَوَامِهَا، وَمُوجِبٌ لِتَحْبِيبِ الْقُلُوبِ إِلَى مَنْ أَنْعَمَ بِهَا وَأَدَامَهَا؛ فَإِنَّ الْقُلُوبَ مَجْبُولَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا، وَأَنْعَمَ عَلَيْهَا، وَأَوَّلُ دَرَجَاتِ الشُّكْرِ: التَّحَدُّثُ بِالنِّعْمَةِ؛ كَأَنْ تَقُولَ: هَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَهَذِهِ نِعْمَةُ اللهِ؛ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ]وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [ [الضحى:11].

مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: وَمِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ: أَنْ يُسَخِّرَهَا الْعَبْدُ فِي طَاعَةِ اللهِ وَرِضَاهُ، وَأَنْ يَتَجَنَّبَ اسْتِعْمَالَهَا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ وَمَا يُسْخِطُ رَبَّهُ وَمَوْلَاهُ؛ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ] اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [ [سبأ:13]، وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَامَ الْعَابِدِينَ وَقُدْوَةَ الشَّاكِرِينَ؛ إِذْ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ شُكْرًا لِخَالِقِهِ وَمَوْلَاهُ، يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ ذَنْبِهِ وَخَطَايَاهُ؛ فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا؟ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة
شكر الله على نعمة

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
0 تصويتات
1 إجابة
0 تصويتات
1 إجابة
مرحبًا بك إلى البرهان الثقافي، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...