دعاء شكر الله على نعمة
عِبَادَ اللهِ: وَإِذَا كَانَتْ نِعَمُ اللهِ عَلَيْنَا لَا تُحْصَى؛ فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا: أَنْ نُدَاوِمَ عَلَى شُكْرِهَا وَذِكْرِهَا؛ لِيَحْفَظَهَا اللهُ لَنَا وَيُدِيمَهَا نِعَمًا، وَأَنْ نَتَجَنَّبَ مَا يَسْلُبُهَا مِنَّا أَوْ يَجْعَلُهَا عَلَيْنَا نِقَمًا؛ كَالْبَطَرِ وَالْجُحُودِ وَالْكُفْرَانِ، وَاسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ مَا أَذِنَ اللهُ لَنَا فِيهَا؛ كَالْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ، وَالْبُخْلِ وَالتَّقْتِيرِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى عِبَادِهِ بِالتَّوَسُّطِ بَيْنَ السَّرَفِ وَالتَّبْذِيرِ، وَالْبُخْلِ وَالتَّقْتِيرِ، فَقَالَ: ]وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً[ [الفرقان:67]، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ، فَقَالَ: ] وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا[ [الإسراء:26-27]، وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ]وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [ [الأعراف:31]، فَحَالُ الْمُؤْمِنِ: أَنَّهُ يَصْبِرُ فِي الضَّرَّاءِ، وَيَشْكُرُ فِي السَّرَّاءِ؛ رَوَى صُهَيْبٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ؛ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ؛ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: لَقَدْ قَرَنَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الشُّكْرَ بِالْإِيمَانِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي عَذَابِ خَلْقِهِ إِنْ شَكَرُوا وَآمَنُوا بِهِ فَقَالَ: ]ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [ [النساء:147]؛ أَيْ: إِنْ وَفَّيْتُمْ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ، وَهُوَ الشُّكْرُ وَالْإِيمَانُ فَمَاذَا يَصْنَعُ بِعَذَابِكُمْ؟. وَإِنَّمَا تُقَيَّدُ النِّعَمُ – يَا عِبَادَ اللهِ – بِالشُّكْرِ؛ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (النِّعَمُ وَحْشِيَّةٌ فَقَيِّدُوهَا بِالشُّكْرِ). وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (لَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ).
وَقَدْ قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ] لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [ [إبراهيم:7]. فَأَخْبَرَهُمْ: أَنَّهُمْ إِنْ شَكَرُوا فَلَهُمْ مِنْهُ الْفَضْلُ وَالْمَزِيدُ، وَحَذَّرَهُمْ- إِنْ كَفَرُوا- أَنْ يَسْلُبَهُمُ النِّعْمَةَ، وَيُعَاجِلَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، فَعَذَابُهُ شَدِيدٌ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[ [النحل:112].
فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا – عِبَادَ اللهِ-: أَنْ نُعَظِّمَ شَأْنَ النِّعَمِ وَلَا نَحْتَقِرَهَا، وَأَنْ نُدَاوِمَ عَلَى شُكْرِهَا وَذِكْرِهَا؛ لِيُدِيمَهَا اللهُ لَنَا؛ فَإِنَّ أَقْوَامًا ازْدَرَوْا نِعَمَ اللهِ وَاسْتَصْغَرُوهَا، فَسَلَبَهَا اللهُ مِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا فَقَدُوهَا: أَحَسُّوا بِقِيمَتِهَا وَشَعَرُوا بِأَهَمِّيَّتِهَا، فَتَمَنَّوْا رُجُوعَهَا إِلَيْهِمْ وَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ، لَكِنْ بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَانِ، وَمَضَاءِ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِيمَنْ يُقَابِلُ النِّعَمَ بِالْجُحُودِ وَالنِّسْيَانِ؛ فَلْنَحْمَدِ اللهَ تَعَالَى، وَلْنَرْضَ بِمَا قَسَمَ لَنَا مِنَ النِّعَمِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَلْنَقْنَعْ بِمَا عِنْدَنَا مِنْ خَيْرَاتٍ وَآلَاءٍ وَهِيَ وَفِيرَةٌ، وَلْنَحْذَرِ التَّذَمُّرَ وَالتَّسَخُّطَ عَلَى الْوَاقِعِ؛ فَإِنَّ آثَارَ ذَلِكَ جِدُّ خَطِيرَةٍ.